قصص من الحصار, الجزء الرابع

وليد الفارس

السجائر والحصار

بعد أكثر من شهرين ونصف على الحصار, يناطح المدخنون الحيطان بسبب انقطاعهم عن التدخين وشح مادة السجائر المتوافرة بين يدي بعض الثوار, أبو عمر أحد المدخنين اللذين يعانون من مشكلة انقطاعهم عن السجائر, وذات مرة يحصل أبو عمر على خمسة وعشرين سيجاراً من السجائر الفخمة، ومن المعروف عند المدخنين أن كل سيجار من هذا يساوي عشرين سيجارة من السجائر العادية.  يفرح أبو عمر بمكسبه ويبلغ اليوم عنده يوم عيد بعد انقطاع طويل عن سجائره التي يدخنها منذ سنوات, يقف أبو عمر أمامنا فرحاً كطفل فيتقدم أحد أصدقائه قائلاً “تحرر من سجائرك فإنك عبدٌ لها وثورتنا هذه هي ثورة حرية وتحرر”, وكأن ألف صفعة على خد ذلك الطفل الفرح بعد جملة قالها صديقه, يتحرك أبو عمر نحو المطبخ ويحرق كل ما يملك من سجائر ويجعلها رماداً, يشعلها منتشياً مزهواً وكأنه انتصر على نفسه وانتهت ثورته.

إصرار بطل

أزيز الرصاص ككثافة سرب مهاجر من السنونو وأصوات الانفجار تعلو من كل جانب, حركة دبابات وقصف بالهاون والوقت قبل المغرب بدقائق، وأنا في أحد أقبية الأبنية أحمل دعوات إلى الله بأن يسلم ويثبت مقاتلي حمص, فإذا بين كل هذا أصوات أقدام تنزل الدرج مسرعة تنسف كل الأصوات وتركلها جانباً, إنه أبو العز أحد الأبطال الصغار الذين ملؤوا أرض حمص فرحاً ومتعة يتبعه اثنان من أصدقائه وهو مضرج بدمائه, أقترب إليه مسرعاً أخلع عنه قميصه وأتفحص صدره وظهره, إنها شظية دبابة وإصابته غير عميقة ولله الحمد، لكنه يحتاج إلى راحة ليوم أو يومين.  مسحت له الدماء التي غطت جسده, نظفت جرحه على عجل ثم أعطيته بعض المسكنات وغطيته بضمادة بسيطة، وأعطيته كأساً من الماء وقميصاً جديداً.  حمد الله وانطلق, أوقفته إلى أين؟ قال أعود للقتال, تجمدت حركاتي أمام عزمه على العودة للقتال, مضى قبل أن أطرف عيني اللتين غصتا بدمعة أرسلت كلمات من الدعاء لحماية أبو العز ومن معه.

 النفس الطيبة

في شارع باب هود سقط ذلك الرجل برصاص قناص أغلق الشارع، فلم يستطع أحد سحبه لأيام.  وبعد أكثر من خمسة وعشرين يوماً استطاع بعض الشباب التسلل ليلاً لسحب الجثة، وكانوا قد أحضروا كمامات وستراً واقية وتجهزوا جيداً لقضية تفسخ الجثة المتوقع بعد كل هذه الفترة, كان أمراً مفاجئاً فعلاً عندما أحضرت جثة الرجل تكاد تكون سليمة تماماً، حسنة الرائحة جميلة المنظر وكأن صاحبها استشهد للتو, في الحي ذاته ومنذ عدة أيام هاجمت شبيحة الأسد النقاط التي يتمركز فيها شباب الحي، وسقط عدد من الشبيحة بين قتيل وجريح.. في المساء كانت رائحة الجثث المتفسخة تبلغ نهاية الحي وتعم المنطقة.  سرت حاملاً هاتين الصورتين في ذهني، فإذا بشباك نافذة مفتوح يقرأ أحدهم القرآن داخل المنزل، فسمعت: “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها”.

ستة (6)

في أحد المشافي الميدانية، كان أبو يامن يعاونه أبو رائد المشهورين بنشاطهما الكبير لا يدخران وقتاً للنوم ولا للراحة، بل يكادان يصرفان كامل وقتيهما على العمل بلا كلل أو ملل. في مكان أخر على أحد الثغور في جورة الشياح كان أبو قصي وأبو عبيدة يتناوبان على حراسة الثغر، وكذلك يفعل كل من أبو عبدو وأبو عاصم على جبهة باب تدمر.  عرفت هؤلاء الشباب الطيبين بخلقهم الجميل وتعاملهم الطيب مع الناس, كانت دهشتي كبيرة عندما عرفت أن هؤلاء الأبطال هم ستة أشقاء ولدتهم حرة ندرتهم لله.

This entry was posted in ذكريات ثورية and tagged , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

1 Response to قصص من الحصار, الجزء الرابع

  1. latif says:

    praise allah

    our people start to change

    they use the cost of dukhan to feed hungry kids

    good news

    allah will change our suffering cos we change

    allah willing

Leave a comment