سورية بين عيبين: عيب الخطيب وعيب الحافظ!

د. عبد الله الحريري

عندما كان الضباط السنة في الجيش السوري يتكلمون مع أمين الحافظ الرئيس الأسبق لسورية، ويعربون عن قلقهم من النفس الطائفي والتكتل المحموم لدى ضباط الطائفة العلوية، والتآمر من قبلهم على الجيش والحزب والدولة؛ كان يرد عليهم باستمرار: هذا الحديث عَيْب! نحن في حزب واحد (يقصد حزب البعث العربي الاشتراكي).

فكان ما حذّر منه ضباط السنة.. وتغلغل النصيريون في مراكز القرار ومفاصل الدولة، وهم على حالهم في تكتلهم المستقل في الباطن والمختلط في الظاهر، ومكروا مكراً كباراً، وحاق مكرهم بالطوائف الأخرى، واستخدموا الحزب مطيةً لتحقيق مكرهم، وكلما ظهر لهم فريق يشكل عليهم خطراً ، تحالفوا مع الفرقاء الآخرين، وانقضوا على خصومهم الواحد تلو الآخر.. حتى خلا لهم الجو؛ فامتطوا صهوة العمالة لليهود وكانوا من قبل قد رضعوها (أي العمالة) في تعاملهم مع الصليبين، في موجاتهم على بلاد الشام، ومع الفرنسيين بعد ذلك، وشبّوا وشابت رؤوسهم فيها، بعد أن فُطموا عليها ومن ثمَّ منحوها إيران المجوس، لقرب العقائد بعضها من بعض، مع بقاء العمالة لكل شيطان مارد محارب لدين الله ولكل ما هو مقدس!!

وانعكس ذلك على البلاد والعباد، من التخلّف في جميع مرافق الحياة، والرجوع عن أسباب الحضارة القهقرى.. إلى الانتكاسة في المنظومة الاجتماعية والأخلاقية المكملة للمنظومة الاقتصادية والإدارية والسياسية!

ولكون الشام صفوة الله من أرضه، يجتبي إليها صفوته من خلقه، وهي أرض المحشر والمنشر، وعمود الإسلام فيها، قدّر الله لنا هذه الثورة بقدر من عنده، والتي جاء بها من حيث لا نحتسب ولا نرتقب.. ولم يبخل أهل الشام  بالنفس ولا بالنفيس، وكانوا عند صدق الوحيين (الكتاب والسنة)  بهم، وقالوا: خذ يا رب منا ما شئت حتى ترضى، وصدقوا في الصبر والمصابرة.. وتمايزت الصفوف، وبان الصديق من العدو من المنافق، وكشّر من اختبأ وراء برقعٍ من الصداقة عن أنيابه وبان وجهه القبيح فقال: لا تنفقوا على كتائب الأحرار حتى ينفضوا، ولا تمدوهم بالذخيرة حتى يرضخوا للشروط والإملاءات!

وما دروا أن لله خزائن السموات والأرض، وأن الشبيحة في بعض المواقع يهربون من التكبير، ويتركون وراءهم ما يحتاجه المقاتلون من الذخيرة والعتاد.

وفي الوقت الذي يرجف فيه المرجفون من الأمم المتآمرة على الشعب السوري، وأنه لا تقدم للحراك الثوري على الأرض؛ نجد كتائب الثوار تحرر سجن إدلب، والأمن السياسي والجوي في الدير، وتصد أرتال الدبابات في درايا وبصر الحرير، وتقصف المطار في العاصمة والقصر الجمهوري.

ويؤثر هذا الإرجاف على رئيس الإئتلاف الوطني الشيخ معاذ الخطيب، ويعرض على بشار الحوار ويخاطبه بقوله:

عيب.. عيب عليك يا بشار أن تقصف طائراتك مدن سورية ولا ترد على قصف طائرات إسرائيل للمختبر الكيميائي بريف دمشق صباح يوم الأربعاء 30 كانون الثاني 2012. ويعدد له بعضاً من عيوب فعله.. عيب عليك.. عيب عليك.. مكرراً مقولة الحافظ من قبل “عيب” فكان عاقبة عيبهما خسراً.

وما درى أن بشار وأبيه وطائفته التي تؤويه لا يعرفون العيب في قاموسهم، ولا هو موجودٌ عندهم أصلاً، وتاريخهم شاهد على ذلك، فكيف يخاطبهم بذلك ويعرب عن استعداده للتفاوض معه، وقد أهلك الحرث والنسل ونشر في الأرض الفساد.

فإذا تعب الخطيب من القتل والقتال ، وجزع من عدد الشهداء والأسرى والمشردين، وطلب الحوار مع نظام بشار؛ فلا يصح هذا من خطيب الأموي، وهو يعلم ما للشهداء عند الله من عظيم الأجر، وأن الحياة والموت بيده وحده، ومن لم يمت اليوم مات غداً، والمسألة بالنسبة للأحياء مسألة وقت “قصر الوقت أم طال” فكل نفس ذائقة الموت، والموت واحد سواء كان بقصف الطائرات، أم بصواريخ الراجمات، أو بحوادث السيارات، أو بسبب الجلطات.. ولكن للشهادة طعم آخر مختلف!!

إذاً فيما الجزع وحصيلة القتلى “نسأله سبحانه أن يتقبلهم في عداد الشهداء” لا تتجاوز الستين ألف قتيل من أصل عشرين مليون سني؟! وقد تحمل الألمان والروس، والفرنسيين والبريطانيين واليابان والأمريكان والطليان ملايين البشر في حروب أُممية غذتها نزاعات الغطرسة والجنون وحب العظمة.

يا خطيب.. أكثير على الشام أن تقدم مليون شهيد في سبيل الله لتعود إليها بركتها وعزتها وريادتها بعد أن تتخلص من ورمها الخبيث، لون أكفان شهدائها لون الدم، وريحهم ريح المسك؟!

لا أعتقد أن نصف العشر زكاة أهل الشام من صفوة البشر كثيرٌ على مكانتهم، وهم ركيزة الإسلام ومعدنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “وفي الركاز الخمس” [أخرجه الترمذي برقم: 637].

This entry was posted in من أوراق الصحف and tagged , , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Leave a comment