الثورة السورية والنموذج الأفغاني

عبدالغني محمد المصري

حاول أعداء التحرر العالمي وأد الثورة السورية بمختلف السبل، وحاولوا تطبيق نماذج متعددة إلى أن استقر بهم المقام إلى استخدام خليط من عدة نماذج في محاولة لقهرها وكسر إرادتها. وهذه النماذج هي الشيشاني باتباع سياسة الأرض المحروقة، والبوسني بسياسية الحصار المالي والعسكري وحصره فقط بالمساعدات العينية، بل حتى المساعدات العينية يجري تقنينها وتقتيرها مستهدفين التجويع والإركاع.

وآخر المحاولات هي الأنموذج الأفغاني، الذي قام على فصل الأكثرية البشتونية إلى فريقين هما القوى المدنية التقليدية (الوجوه العشائرية)، أو ما يسمى بالليوجركا، والفريق الآخر هو حركة طلبة العلم (طالبان).

وحتى تنجح محاولتهم، فقد استخدموا الأسلوب الناعم، حيث جاؤوا برئيس من الأكثرية، وهو أصلاً كان من طالبان أو مؤيديها إلى أن قتل أخوه، وقد اتهمت طالبان بذلك فانشق عنها وانقلب عليها.

الفكرة الأساسية في ذلك أنهم استعملوا أسلوباً لا تصادمياً مع الأكثرية، بل صادماً للأكثرية، شقوا الصف من خلاله إلى ضربين مختلفين من الأكثرية الفاعلة والمقاومة للغرب.

الآن في الثورة السورية، وبعد اجتماع بشار المجرم مع القبيسيات في دمشق قبل حوالي شهر، وقد عرضت وسائل إعلام النظام اجتماعه مع حوالي مئة منهن، خرجت لنا مبادرة تحالف التجار والقبيسيات من السيد معاذ الخطيب.

فالسيد معاذ ملتح كما كرزاي، ومن خلفية دينية مثل كرزاي، ومن الأغلبية كحال كرزاي، وكان خطيبا للمسجد الأموي في عهد بشار، وبالتالي فهو مرغوب للعموم لشكله المتدين، وللقوى المالية المدنية المؤثرة البعيدة عن ساحة القتال (الليوجركا، وهي هنا تجار الشام)، كما أنه مقبول من الغرب لأن له خلفية رضا متبادل مع النظام حيث كان خطيباً لأهم مسجد في سورية، وذلك يعني الكثير.

لذا يمكن عن طريقه التسويق لمبادرات عدة، حيث أن كثيراً من العامة ستأخذه العاطفة بعيداً عن الفحوى.

لكن مثلما أن البعرة تدل على البعير، فإن ردود الفعل من بعض معارضي الخارج والمرحبة بشدة من البعض تشي بوجود تطمينات وإغراءات “في السر” من الغرب توهم بالدعم، بينما الهدف الجر إلى الفخ، غافلين أن الغرب يصدق عليه قول الشاعر:

إذا رأيت أنياب الليث مبتسماً                فلا تحسبن الليث يبتسم

متناسين أنه لو كانت هناك نية للدعم لتم توزيع المساعدات عبر الائتلاف وليس عبر مؤسسات النظام، ولو كانت هناك جدية لوصل على الأقل دعم الطحين وغيره، علاوة على دعم المال، وليس محاصرته كما يجري الآن.

المشكلة ليست في المبادرة وإنما في الدعوة إلى الحوار مع نظام قاتل، وما هذه التصريحات سوى خطوة أولية ستمر بمراحل عدة، هدفها النهائي تقسيم الجيش الحر إلى فريقين، فريق “متطرف” وفريق يدعم “الحكومة الانتقالية”، هذا الفريق سيتم تطعيمه بمن يحفظ مصالحهم من الأقليات. وصولاً إلى حالة طالبان والجيش الأفغاني.

هل يمكن أن ينجح الرهان؟

على المدى القصير يمكن لهذا الرهان أن يمد في عمر النظام، ويزيد من مصاعب الثورة ويؤخر انتصارها، حيث ستحدث نوع الفتنة والانقسام. لكن على المدى المتوسط والبعيد، ستنجح الثورة في احتواء الطعم وستتخلص منه، مكتسبة مناعة إضافية وفهماً أكثر للواقع المدني وللأرض، مما يعطيها خبرة تراكمية تساعدها في إدارة الدولة القادمة مع سقوط النظام وحل كل أجهزته الأمنية، وإعادة تشكيل الجيش على أسس وطنية صرفة بعيداً عن الطائفة الدولة، والدولة الطائفة.

This entry was posted in من أوراق الصحف and tagged , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Leave a comment